21 sept. 2007

دفاعا عن القرآن


أثناء الهجوم الذي شنّه الفكر اليومي مؤخّرا من أجل الدفاع عن القرآن والإسلام ترددت عبارات: "ضد الإسلام"، "ضد القرآن"، "المس من مشاعر المؤمنين عديد المرات". وأقصد بالفكر اليومي الفكر المتداول والذي يعتقد أصحابه أنهم ليسوا في حاجة لأي براهين أو أدلة لمحاججة خصومهم. والفكر اليومي اكتسب بفعل الزمن من السلطة والوقار لدرجة أنه اكتسب مناعة لديها القدرة العجيبة لصدّ أي شكل من أشكال النقد والمراجعة.
فما هو المقصود بالقول : أنت ضد القرآن؟
أتثبت التجربة التاريخية أن مستعملي هذا السلاح يشبهون في سلوكهم سلوك نوع من الثعابين أثناء مطاردتهم لفريستهم . حيث يعمد الثعبان، و بأقل مجهود ممكن من تعطيل وظائف العضلات لمنع الفريسة من الحركة وذلك بتطعيمها شيئا من السم. ثم اللحاق بها بعد فقدانها كل شكل من أشكال المقاومة لافتراسها. فعبارات مثل "ضد القرآن، ضد الإسلام، المس من مشاعر المؤمنين" كلها تستعمل كأداة لشل قدرات الخصم المفترض وجعله في موقع مواجهة مع" كل المؤمنين" وتذكير هذا العدو المفترض بأنه يخوض حربا خاسرة لأنه "ضد الأغلبية الساحقة" والمطلوب ليس فقط الانسحاب مهزوما خائبا بل الاعتذار أو البحث عن تبرير من نوع "إنني لا أقصد كذا بل أريد أن أقول...". ونصبح في وضع تنقلب فيه الأدوار. فعوضا أن يبرهن المدّعي أو المدافع عن القرآن والإسلام بالبراهين والحجج لإثبات دعواه يقوم "المتهم" بالتدليل أنه ليس ضد القرآن وليس ضد الإسلام وحتى في صورة قيامه بذلك فإن المدعي الذي لم يثبت شيئا يصر على ما ادعاه ويعتبر نفسه في موقع قوة يؤهله مقاضاة الخصم والتشهير به.
لتقريب المشهد لنأت ببعض الشواهد من الوقائع اليومية فحين يقوم شخص بالدعاية لما مفاده ،مثلا، أن الله حكيم وذو شأن من الآيات التالية ، مستعينا بقدر كبير من التمثيل على الخشوع والرهبة من الله (وهي الوسائل التي أعطت أكلها مع السذج وأشباه العقلانيين)
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (الكهف71)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً(الكهف 79)
وحين يستنتج شخص آخر من نفس الآيات ما يفيد لا عقلانية من قام بثقب السّفينة وأن هذا السلوك ليس فيه من الحكمة شيئ بل العكس هو الصحيح إذ لا يمكن حرمان البحارة من السفينة بدعوى أن ملكا وراءهم يريد اغتصاب السفينة. فالمعاقبون في هذه الواقعة هم البحارة وليس الملك فأن كانت هناك فعلا حكمة إلهية فقد كانت تقتضي إعطاب الملك وليس السفينة مصدر رزق البحارة. وصاحب هذا الاستنتاج يصبح ضد القرآن وعدوا للإسلام.
يعني أنه لكي لا تتهم بهذه االتّهم فعليك بمصادرة عقلك وعدم التفكير منطقيا فقد يكون الله عدوا للعقل والمنطق وفق هؤلاء. وحين تحاجج بعض المسلمين في تلك الزوابع التي يثيرونها حول رؤية هلال رمضان يحاججونك بأن ذلك ما ورد بالنص القرآني لكن حين تطالبهم بعدم ضرورة مكبرات الصوت أثناء أداء شعائرهم لأن النص لم يذكر شيئا عن استعمال المكبر تتهم بالزندقة وبالعداء للإسلام
فنظرا لأن هذا المسلم قد جرّد من عقله فلا يطرح المسألة من زاوية الجدوى أو الضرورة فلا السّنة ولا القرآن نص على ضرورة استعمال مكبر الصوت ولا يعتقد عاقل بان أداء هذه الشعائر دون مكبرات يقلل من شأنها أو أن الله سيجازي أصحاب المكبرات بأجر يفوق أجر الذين لم يستعملوا مكبرات الصوت. فهذا الموضوع محرم الخوض فيه وحتى بالنسبة لأصحاب المساكن المحاذية للمساجد، فموضوعيا، يعانون الويلات من هذه المكبرات وخاصة الرضع وكبار السن ولكنهم لا يجرؤون على طرح الموضوع لدى السلط المختصة في مقاومة الضجيج خوفا من اتهامهم بالعداء للإسلام أو بتهم شبيهة بذلك. في حين أن الموضوع لا علاقة له أصلا بموقف سياسي أو إيديولوجي بقدر ما له علاقة بسلوك مدني يقدر راحة المتساكنين.

القائل بأن القرآن ذكر الحقيقة العلمية التي تفيد أن الأرض كروية مبررا ذلك بالآية وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (النازعات79) يقع التهليل له ويصبح مرجعا وحجة لمقارعة" أعداء الله " بالرغم أن استنتاجه لا علاقة له بالنص وليس هناك ما يوحي البتة بكروية الأرض. فصاحب هذا التأويل العجيب بإمكانه اكتساب صفة المدافع عن الإسلام. أما أن يحاجج شخص آخر بالنص ومن خلال النص القرآني ذاته ودون تأويل أو تحامل فيتحول إلى عدو للإسلام ومعتد على مشاعر المؤمنين فالقول بالآية وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء 91)
فهذه الآية تثير اشمئزاز أي عاقل وحيرته. ألم يكن الله، باني السموات السبع والكرة الأرضية في أيام معدودات، بقادر على جعل مريم تحبل بالمسيح دون أن ينفخ في فرجها الذي أحصنته. هل أنه لتحبل امرأة لابد من المرور بفرجها؟ فهذا يعكس فقط التصور البدائي حول االكيفية التي تحبل بها امرأة فالله الذي بيده علم الماضي والحاضر والمستقبل لم يكن يدري أن امرأة بإمكانها الولادة دون المرور من فرجها و دون حيوانات منوية أصلا. إنه لا يمكن لي أن أحط من قيمة الله القادر عن كل شيء، عدا تخليص أمة الإسلام من الجهل، وهو بصدد النفخ في فرج مريم.

1 commentaire:

Anonyme a dit…

Citoyen, je vous invite à voir ça :
http://tunisielaique.blogspot.com/